إليكم الحقيقة وراء هذه الندبة على أعلى الذراع اليسرى

كان الجدري، أحد أكثر الأمراض الفيروسية فتكًا في التاريخ، يسبب حمى شديدة وطفحًا جلديًا واضحًا. وبحلول أوائل القرن العشرين، عاث الجدري فسادًا، حيث أودى الفيروس بحياة 3 من كل 10 مصابين. وكثيرًا ما حمل الناجون ندوبًا تدوم مدى الحياة تُذكرهم بمعاناتهم، حيث كانت الندوب محفورة على وجوههم.

كان فيروس الجدري مسؤولًا عن هذا المرض شديد العدوى والقاتل. واستجابةً لذلك، طوّر العلماء لقاحًا رائدًا باستخدام فيروس حي يُسمى الجدري، وهو قريب الصلة بالجدري ولكنه غير قادر على التسبب في الجدري. حفّز اللقاح الجهاز المناعي على إنتاج أجسام مضادة قادرة على مكافحة الجدري.

بفضل هذا الإنجاز الطبي، أُعلن القضاء على الجدري في أوائل خمسينيات القرن الماضي، وهو إنجازٌ بالغ الأهمية لدرجة أن التطعيمات الروتينية في الولايات المتحدة توقفت عام ١٩٧٢. واليوم، لا يتلقى اللقاح إلا العاملون في بيئات عالية الخطورة، مثل المختبرات التي تتعامل مع الفيروس.

ندبة لقاح الجدري هي علامة فريدة تُترك في موقع التطعيم. عادةً ما تظهر على شكل انبعاج صغير، مستدير أو مستطيل قليلاً، وغالبًا ما يكون أصغر من ممحاة قلم رصاص. بالنسبة للبعض، قد تكون الندبة أكبر وأكثر بروزًا بسبب استجابة مناعية أقوى أثناء عملية الشفاء.

على عكس الحقن الحديثة التي تستخدم إبرًا رفيعة لتوصيل السوائل، تطلب لقاح الجدري تقنية أكثر تدخلاً. استخدم مقدمو الرعاية الصحية إبرة متشعبة – أداة ذات شوكتين – يغمسونها في محلول اللقاح قبل وخز الإبرة مرارًا وتكرارًا في الجلد. تسببت هذه الطريقة في إصابة ملحوظة، مما دفع الجسم إلى تكوين نسيج ندبي أثناء الشفاء.

أثار الفيروس الحي في اللقاح رد فعل مناعي قوي. مع عمل الجسم على صد الفيروس، كان موقع الحقن يتقشر، وغالبًا ما يُسبب حكةً ووجعًا. في النهاية، يتساقط القشر، تاركًا وراءه ندبةً تشبه البثور، دليلًا على آليات الجسم الدفاعية.

في حين كان الجزء العلوي الأيسر من الذراع هو موقع الحقن المعتاد، تلقى بعض المتلقين اللقاح في مناطق أقل شيوعًا، مثل الأرداف.

على الرغم من أن اللقاح أنقذ أرواحًا لا تُحصى، إلا أن بعض الأفراد عانوا من أعراض خفيفة تُشبه أعراض الإنفلونزا بعد تلقيه، بما في ذلك الحمى والألم وتضخم الغدد الليمفاوية. ونادرًا ما حدثت مضاعفات خطيرة، مثل ردود الفعل التحسسية، أو التهابات الجلد لدى الأشخاص المصابين بالأكزيما، أو التهاب الدماغ.

بما أن التطعيم ضد الجدري لم يعد روتينيًا، فإن ندوب اللقاح أصبحت إلى حد كبير من مخلفات الماضي. ولمن يرغب في تقليل مظهر ندوبه، تشمل الخيارات استخدام واقي الشمس لمنع تغير اللون، أو وضع مراهم مُليّنة، أو اللجوء إلى علاجات متخصصة مثل التقشير الجلدي.

يظل لقاح الجدري، والندوب التي خلّفها، شاهدًا على انتصار البشرية على أحد أخطر الأمراض في التاريخ. ورغم أن الجدري لم يعد يُشكّل تهديدًا عالميًا، إلا أن قصته تُذكّر بقوة اللقاحات في حماية الصحة العامة.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back To Top